التوتر في مكان العمل: محفزاته، أنواعه، وآليات التكيف الفعّالة
يُعد التوتر في مكان العمل من أكثر الظواهر النفسية انتشارًا في العصر الحديث، حيث تؤثر ضغوط العمل المتزايدة على الصحة النفسية والجسدية للعاملين، وتنعكس سلبًا على أداء المؤسسات. وبينما قد يكون التوتر محفزًا إيجابيًا في بعض الحالات، فإنه يتحول إلى عبء مؤلم إذا تجاوز قدرة الفرد على التكيف. في هذا المقال، نستعرض محفزات التوتر، أنواعه، مسبباته، ونماذج التعامل معه، مع تقديم استراتيجيات فعالة للتخفيف من آثاره على الأفراد والمؤسسات.
أنواع التوتر في مكان العمل: الإيجابي مقابل المؤلم
• التوتر الإيجابي (Eustress):
• يُحفّز الإنتاجية والإبداع.
• يُشعر الفرد بالتحدي والتحفيز.
• يُرافقه شعور بالسيطرة والقدرة على الإنجاز.
• التوتر المؤلم (Distress):
• يُؤدي إلى الإرهاق والقلق المزمن.
• يُضعف التركيز ويؤثر على الصحة النفسية والجسدية.
• يُنتج عن ضغوط تفوق قدرة الفرد على التكيف.
التمييز بين النوعين ضروري لفهم كيف يمكن للتوتر أن يكون أداة للنمو أو سببًا للانهيار.
مسببات التوتر في بيئة العمل
1. العوامل البيئية
• ضوضاء مستمرة أو إضاءة غير مناسبة.
• ازدحام المكان أو ضعف التهوية.
• تصميم غير مريح للمكاتب أو أماكن الجلوس.
2. العوامل المهنية
• عبء العمل الزائد أو المهام غير الواضحة.
• غياب التقدير أو المكافآت.
• ضعف القيادة أو الإدارة غير الفعالة.
• غياب فرص التطور المهني.
3. العوامل الاجتماعية والشخصية
• صراعات بين الزملاء أو ضعف العلاقات المهنية.
• ضغوط خارج العمل مثل مشاكل أسرية أو مالية.
• اختلاف القيم أو الأهداف الشخصية عن ثقافة المؤسسة.
نموذج التعامل مع التوتر: نموذج لازاروس وفولكمان
يعتمد هذا النموذج على تفسير التوتر كعملية إدراكية تتضمن مرحلتين:
1. التقييم الأولي (Primary Appraisal):• هل يُنظر إلى الموقف كمهدد أم تحدٍ أم غير ذي أهمية؟
2. التقييم الثانوي (Secondary Appraisal):• هل يمتلك الفرد الموارد اللازمة للتعامل مع الموقف؟
وفقًا لهذا النموذج، فإن استجابة الفرد للتوتر تعتمد على إدراكه للموقف وقدرته على التكيف، مما يفسر التباين في ردود الفعل بين الأشخاص في نفس البيئة.
آثار التوتر على الأفراد والمؤسسات
على الأفراد:
• اضطرابات النوم والقلق والاكتئاب.
• ضعف المناعة وزيادة خطر الأمراض المزمنة.
• انخفاض الإنتاجية والرضا الوظيفي.
على المؤسسات:
• ارتفاع معدل الغياب والدوران الوظيفي.
• تراجع جودة الأداء والخدمات.
• زيادة التكاليف المرتبطة بالرعاية الصحية والتوظيف.
الفئات الأكثر عرضة للتوتر
• الموظفون الجدد: بسبب عدم وضوح التوقعات وصعوبة التكيف.
• النساء العاملات: نتيجة لتعدد الأدوار وضغوط التوازن بين العمل والأسرة.
• المديرون المتوسطون: لضغوط التوفيق بين الإدارة العليا والفرق التنفيذية.
• العاملون في بيئات عالية المخاطر: مثل القطاع الصحي أو الأمني.
نماذج التوتر الشائعة في بيئة العمل
النموذج :الطلب
الوصف: السيطرة التوتر ينشأ من ارتفاع المطالب وقلة السيطرة
التأثير: إرهاق مزمن
نموذج: عدم التوازن بين الجهد والمكافأة
الوصف: بذل جهد كبير دون مكافأة مناسبة
التأثير: انخفاض الدافعية
نموذج: الغموض الوظيفي
الوصف: غياب الوضوح في المهام والتوقعات
التأثير: قلق وتشتت
تدخلات لتخفيف التوتر في مكان العمل
1. استراتيجيات تنظيمية
• تحسين بيئة العمل المادية (إضاءة، تهوية، تصميم).
• توفير برامج دعم نفسي ومهني.
• تعزيز ثقافة التقدير والتواصل الفعّال.
• تدريب القادة على إدارة الضغوط وتحفيز الفرق.
2. استراتيجيات فردية
• ممارسة التأمل أو تمارين التنفس.
• تنظيم الوقت وتحديد الأولويات.
• طلب الدعم من الزملاء أو المختصين.
• تبني نمط حياة صحي (نوم كافٍ، تغذية متوازنة، نشاط بدني).
بيئة العمل المريحة: مفتاح الوقاية من التوتر
تصميم بيئة عمل مريحة لا يقتصر على الجوانب المادية، بل يشمل أيضًا:
• ثقافة مؤسسية داعمة ومحفزة.
• مرونة في ساعات العمل أو العمل عن بُعد.
• فرص للتعلم والتطور المستمر.
• تشجيع التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
أدوات عملية للتكيف مع التوتر
• تطبيقات التأمل واليقظة الذهنية مثل Headspace أو Calm.
• تقنيات إدارة الوقت مثل تقنية بومودورو.
• دفتر يوميات التوتر لتتبع المحفزات والاستجابات.
• جلسات الإرشاد النفسي أو الكوتشينغ المهني.
خاتمة
التوتر في مكان العمل ليس ظاهرة يجب تجاهلها، بل هو مؤشر على الحاجة إلى إعادة النظر في بيئة العمل، وآليات الإدارة، والدعم النفسي. من خلال فهم مسببات التوتر، والتمييز بين أنواعه، وتطبيق نماذج التكيف، يمكن للمؤسسات والأفراد بناء بيئة عمل صحية تُعزز الإنتاجية والرفاهية. إن الاستثمار في الوقاية والتدخلات الفعالة ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة النجاح.
تعليقات
إرسال تعليق