سيكولوجية الاجتماعات: لماذا بعضها فعّال وبعضها مرهق؟
في عالم الأعمال الحديث، أصبحت الاجتماعات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للموظفين والمديرين. ومع ذلك، كثيراً ما نسمع شكاوى عن “الاجتماعات المضيعة للوقت”، أو نشاهد كيف يخرج الموظفون من قاعة الاجتماع منهكين، دون إنجاز يُذكر. في المقابل، هناك اجتماعات تكون فعّالة، محفّزة، وتدفع الفريق خطوة إلى الأمام. فما الذي يميز اجتماعاً عن آخر؟ وهل للجانب النفسي دور في ذلك؟ في هذه المقالة، سنستعرض من منظور علم نفس الأعمال، العوامل التي تجعل بعض الاجتماعات فعّالة وأخرى مرهقة.
أولاً: مفهوم سيكولوجية الاجتماعات
سيكولوجية الاجتماعات تشير إلى دراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تحدث أثناء اللقاءات الجماعية في العمل. يشمل ذلك طريقة تفاعل الأفراد، وكيف تؤثر البيئة، والديناميكيات الجماعية، والأسلوب القيادي، على جودة الاجتماع ونتائجه.
ثانياً: لماذا تصبح بعض الاجتماعات مرهقة؟
1. غياب الهدف الواضح
من أكثر الأسباب شيوعاً لإرهاق الحضور هو الغموض. عندما لا يعرف المشاركون لماذا هم في الاجتماع، أو ما هو المطلوب منهم تحديدًا، يشعرون بالضياع. هذا يولد التوتر والملل، وقد يؤدي إلى انسحاب نفسي حتى وإن كانوا حاضرين جسديًا.
2. الهيمنة والتسلط
إذا كان أحد الأشخاص (غالبًا المدير) يهيمن على الحديث دون إتاحة المجال للآخرين، يشعر الفريق بعدم التقدير. هذا يؤثر على الدافعية ويخلق جواً سلبياً مليئاً بالإجهاد.
3. الوقت الطويل بلا فائدة
الدماغ البشري لا يستطيع التركيز المتواصل لأكثر من 25-30 دقيقة دون فاصل. الاجتماعات التي تمتد لساعات بدون فاصل أو تجديد للطاقة تخلق ما يسمى بـ”الإنهاك المعرفي”.
4. نقص التفاعل أو الشعور بعدم الأهمية
عندما لا يتم إشراك الحضور بفعالية، أو لا يتم أخذ آرائهم على محمل الجد، يبدأون بالشعور بأن وجودهم غير مؤثر. هذا الإحساس يولّد استنزافاً نفسياً بطيئاً.
ثالثاً: ما الذي يجعل الاجتماعات فعّالة نفسيًا؟
1. التحضير المسبق وتحديد الأهداف
اجتماع ناجح يبدأ قبل انعقاده. عندما يتم إرسال جدول الأعمال مسبقًا، ويعرف كل شخص ما دوره، يشعر الجميع بالاستعداد والمشاركة الفعّالة.
2. إدارة الوقت بذكاء
تقسيم الوقت بين الفقرات، تحديد وقت لكل متحدث، واحترام وقت الحضور يعكس احترام المؤسسة لجهودهم. هذا يعزز الإيجابية ويزيد من التركيز.
3. توزيع الأدوار وتحفيز المشاركة
من العوامل النفسية المهمة أن يشعر كل شخص بأهمية صوته. تخصيص وقت للأسئلة أو النقاش، أو حتى تدوير أدوار مثل “مدير الاجتماع”، تعزز من الانتماء والدافعية.
4. بيئة نفسية آمنة
بيئة الاجتماع يجب أن تكون مشجعة على التعبير عن الآراء دون خوف من السخرية أو الرفض. هذا يُعرف في علم النفس بـ”السلامة النفسية”، وهي أساس في فرق العمل الناجحة.
رابعاً: الأبعاد النفسية الخفية في الاجتماعات
● اللغة الجسدية:
لغة الجسد تؤثر بشكل كبير على الطاقة النفسية في الاجتماع. الجلوس المتوتر، أو الأذرع المتشابكة، أو نظرات عدم الاهتمام، ترسل رسائل غير لفظية تؤثر على المناخ العام.
● الإرهاق الجماعي (Group Fatigue):
عندما يجتمع نفس الفريق بشكل متكرر دون تغيير في الأسلوب أو النتائج، يشعر الأعضاء بنوع من “الإرهاق الجماعي”، مما يؤدي إلى خمول في التفكير.
● التحفيز اللحظي:
إدخال لحظات تحفيزية خلال الاجتماع مثل كلمات إيجابية، أو قصص نجاح، أو حتى نكتة خفيفة، يُعيد النشاط العقلي ويكسر الملل.
خامساً: نصائح سريعة لاجتماعات أكثر فعالية نفسياً
- ✅ لا تعقد اجتماعًا إلا إذا كان هناك ضرورة حقيقية له.
- ✅ استخدم العروض البصرية والخرائط الذهنية لدعم الفهم.
- ✅ احرص على أن يكون الاجتماع تفاعليًا، لا محاضرة.
- ✅ اجعل الختام واضحًا، بخطوات تنفيذية وتوزيع للمهام.
- ✅ راقب مستوى الطاقة النفسية للفريق وكن مرنًا بالتوقيت.
الختام: القليل من الفهم، الكثير من التغيير
الاجتماعات ليست مجرد تجمعات رسمية، بل بيئة نفسية متكاملة تتأثر بالسلوك والتواصل والديناميكيات الجماعية. عندما نفهم البُعد النفسي لها، يمكننا تحويلها من عبء إلى أداة قوية للإبداع والتعاون.
في النهاية، الفارق بين اجتماع فعّال وآخر مرهق، ليس في المحتوى فقط، بل في الطريقة التي يُدار بها، وفي الشعور الذي يتركه في نفوس المشاركين.
تعليقات
إرسال تعليق